على الطريق الزراعي، وكأنما قد عمل عملة، يتسلل الميكروباص متسترًا في جنح
الليل، ركّابه شبه نائمين، كما أنهم ليسوا متيقظين، في حال أقرب إلى السطل، وسائقه
قد أصابه الصداع من جراء الأغاني الشعبية، ولم يجرؤ على إغلاق الكاسيت مخافة
الوقوع في النوم، فلجأ إلى تشغيله بصوت خفيض.
البرد قارص، و عماد قد ضم طرفي سترته عليه، إنها سترة من جلد طبيعي، وهي
قطعة قيّمة جدًا لزوم العمل، فكيف يمر عبر عشرات المكاتب من الأمن وخدمة العملاء
والسكرتارية ويدلف إلى مكتب عميل VIP ما لم يكن
مظهره لائقًا؟ ومن حسن الطالع أنها تنفع في أيام البرد كذلك.
ولكنه لا يريد أن يفكر من جديد في العمل، كما لا يريد أن يفكر في أسرته في القرية
التي سيعود إليها خالي الوفاض بعدما لم يتمكن من بيع شيء هذا الأسبوع، ولا يريد أن
يفكر في والد خطيبته الذي سيخبره أن مهلته قد انقضت وخطبته انفسخت. فقط يريد أن
يفكر في ملوخية أمه الشهية وسريره الدافئ، أراح رأسه إلى النافذة، وسيكون رائعًا
لو استغرق في النوم.