"ابحث معي عن أكثر من تمقت بالعالم، لنهدِه
هديّة!"
تمهيد
ترجل من
سيارته، ارتكن عليها في انتظار المساعدة. توقفت سيارة أمامه. صرخ بجنون، صرخ: بسم
الله الرحمن الرحيم! السيارة تقود نفسها!
انخفض زجاج
النافذة.. وقال السائق ضاحكًا:
- هه!
ألم تتبينني في العتمة؟
كان سائقها
عجوزًا أسود البشرة والشعر والملابس في هذه الليلة السوداء. شعر بالحرج:
- عذرًا..
لقد تعطلت سيارتي، و...
- تعالى
سأقلّك إلى حيث تريد.
- لا،
أشكرك.. أنا فقط أحتاج إلى إطار.
- آه!
آه! بالتأكيد.
ركن العجوز
سيارته إلى جانب الطريق، أخرج الأدوات من الحقيبة، وجلس على الأرض جوار سيارته،
يحاول تحرير إطارها في صمت..
لوهلة، لم
يتبين المسافر ما يفعل العجوز، إذ لم يخطر بباله قط أن هذا ممكن.. صاح به:
- لا!
لا! لا أقصد أن تعطيني الإطار الذي تسير به، قصدت لو عندك واحد إضافي.
- سيكون
من دواعي سروري أن تأخذ هذا.
- لا
أريد أن أفسد سيارتك.
- لا
عليك أبدًا أبدًا.
فكّر المسافر:
لو أنه مجنون، أو كريم، أو خدوم، فكلها أشياء مرعبة في هذه الحلكة وعلى هذا الطريق
المهجور. لكن ما حيلته.. هو بالفعل طريقه طويل ويحتاج إلى الإطار.
انتهى العجوز
من فك الإطار، وناوله للمسافر الذي جلس يركّبه شاكرًا العجوز. أخرج العجوز قلمًا
وورقة من جيبه وقال:
- هل
يمكنك أن تكتب لي كلمة للذكرى؟
تعجب الفتى،
لكن من قال أنه لا يدين للعجوز! كتب على ضوء كشاف السيارة:
"جزيل
الشكـ
ولكن الورقة
طارت وانغرس سن القلم في يده مسببًا ألمًا شديدًا، نظر الشاب إلى العجوز باعتذار
لضياع الورقة، لكن العجوز منحه نظرة رضا:
- لا
يهم! هذا ممتاز! ممتاز!
وحين انتهى
المسافر من تركيب الإطار، وجد أنه مضطر إلى دعوة العجوز لإيصاله إلى وجهته، تلك
الدعوة التي لاقت ترحيب العجوز.
في الطريق، أخرج
العجوز بطاقة العمل الخاصة به ومنحها للمسافر، وقد توقع من نوعية الورق والطباعة
البارزة التي عليها أن للرجل وظيفة مرموقة، كما أن بطاقات العمل السوداء تنم عن
ذوق راق. لكن المسافر لم يتبين أحرفًا يقرؤها في الظلام، فاكتفى بوضعها في جيبه.
كان مسكن
العجوز على مسافة قريبة: فيلا صغيرة محاطة بعدد قليل جدًا من الفيلات. توقف
المسافر عن القيادة وكرر شكره إلى العجوز الذي ترجل ومال يحدّث المسافر من النافذة
قائلاً:
- لا
مزيد من كلمات الشكر؛ إن أردت شكري حقًا فلتأتي تؤنسني قليلاً في بيتي.
تريّب
المسافر:
- أرجو
أن تقبل اعتذاري فطريقي لازال طويلاً.
- لن
أعطلك أبدًا، فقط أدعوك إلى شراب يدفيء عروقك في هذا البرد.
- هذا
لطف زائد منك، ولكن أخشى أني لا أستطيع.
- أرجوك
أن تقبل يا بني.. فكّر أنها دقائق فقط ستسعد هذا العجوز.
بدا العجوز
شديد الإلحاح، يستخدم الاستمالات العاطفية بإفراط، ربما لأنه لا يملك غيرها، فلا
يوجد منطق يؤيد ذهاب الرجل الوحيد إلى بيت العجوز المريب. وطالما لم تنجح
الاعتذرات، فقد قرر المسافر أن ينطلق بالسيارة مباشرةً، في حين وقف العجوز يصب
اللعنات على رأسه.
ولأن الحظ
التعس، كما الموت، ينتقي أصفياءه، فما هي إلا أمتار وانفجر إطار السيارة. توقف
المسافر إجباريًا هذه المرة ليجد أنه من جديد في دائرة الفيلات الصغيرة. توقّف
العجوز عن السباب فجأة، وبشّ وجهه له بينما يجدد دعوته للشراب الدافيء.
خيارات
المسافر محدودة: البقاء في البرد في انتظار سيارة شحيحة جدًا هذه الأيام، وغير
مضمونة أيضًا لأنها قد تحمل مريبًا آخر. أو دق أبواب هذه الفيلات طلبًا للمساعدة،
وهو الأمر لا يستبعد أن يعرّفه إلي مزيد من المريبين، أو أن يذهب مع المريب الأول.
هكذا فكّر أن
المريب الذي تعرفه خير من الذي لا تعرفه، خاصةً وأن العجوز هش وضعيف جدًا، برغم
كرشه المتدلي لكنك تعرف فورًا أنه فقط كتلة شحم ليس لها علاقة بالموضوع، كما أنه
يتخفى خلف البشاشة والود، وهذا ليس مطمئنًا لكنه يظل أفضل من أن يتخفى خلف سكّين
أو بندقية.
سأل المسافرُ
العجوز:
- ألديك
إطار آخر؟
- نعم،
لكن ليس قبل أن ترافقني إلى البيت.
- حسنًا.
هش وبش
العجوز، فتح الباب ودعا المسافر للدخول دعوته لسفير أو وزير، منحنيًا، باسطًا يده،
ثم متجمدًا هكذا:
- سأحضر
الشراب حالاً.
عاد بعد
لحظات، مال واضعًا الكوب أمام المسافر، نظرالمسافر إلى السائل الأسود الفوّار في
دهشة:
- ما
هذا؟
- كولا
- يا
له من شراب دافـ...!
ابتلع المسافر
كلماته، ليس أغرب ما يبتلعه عن هذا العجوز! غاب العجوز فيما بدا أنه المطبخ. لم
يعد المسافر يشعر بالفضل تجاهه، حتى الابتسامة المجاملة أو كلمة الشكر لا تأتي
شفاهه؛ وربما هو السُباب يرفع الكُلفة بين الناس فلا تهتم بعدها للمجاملات، وربما
أغراه وهن العجوز بالقوة، وودّه بالجفاء، وربما هو فقط يشعر بالـ ’ورطة‘. تجرّع
الكولا، وتذكر بطاقة الرجل، فأخرجها من جيبه وقرأ:
"د. (أكرم عطا الله).. جرّاح تجميل"
حقًا!؟ لو أنه
مكانه لاهتم بالعمل على نفسه أولاً! أعاد البطاقة لجيب قميصه، نغزه شيء بقوّة جوار
القلب إلى حد أن تأوّه بصوت مرتفع... استغرق الألم لحظات قبل أن ينتقل إلى معدته
بحدّة أشد إلى الحد الذي جعله يتساءل: ما الذي كان بالشراب؟
عاد العجوز
بطبق من التمر الرطب، ولازال مُلحًّا كعادته، قام المسافر غاضبًا:
- يكفي
هذا. أين الإطار؟
- فقط
اجلس يا بني، وتناول تمرة.
- ولا
كلمة أخرى. هات الإطار.
تردد الرجل إذ
يبوح:
- الحقيقة
أنه ليس لدي إطار هنا.. لكن....
تلفت حوله:
- لدي
العديد من الأشياء الأخرى: ما رأيك في هذه الكوفية؟ ضعها على عنقك. هذه الشمسية،
ستنفعك بالخارج. خذ تمرة.. هذه السجّادة، ألفها لك؟ خلع قميصه.. خذ ارتده.. خذ
تمرة.. خذ التلفاز.. خذ...
- كفى!
كفى!
كان يتحدث
بسرعة، يتحرك بسرعة، يتلفت حوله، ينظر للساعة ـ التي تقترب من منتصف الليل ـ بين
كلمة وأخرى، يعرض أي شيء أسود يصادفه. في هذه اللحظة قرر المسافر أن كرم العجوز
زائد حقًا، أنه يخفي سرًا حقًا، يكيد لشيء حقًا، وأن الغباء الحقيقي أن يأخذ شيئًا
آخر منه، بمعنى: أن هذا هو الغباء الإضافي؛ لأن الغباء الحقيقي أنه هنا أصلاً.
فتح الباب
ليخرج، فتعلّق العجوز بساقه وقال بخشوع:
- أرجوك..
الوقت ينفذ.. خذ تمرة.
دفعه بعنف
فسقط أرضًا، غادر المسافر المنزل ومشى باتجاه الطريق في حين تدوّي طرقات محمومة من
خلفه، التفت فرأى العجوز يطرق أبواب الفيلات المحيطة: يدّق بجنون كل الأبواب،
وبيديه العشرات من البالونات السوداء.. يصرخ:
- بالونات
للأطفال.. بالونات بالمجّان.. خذوا أربعة عليهم واحدة هدية... خذوا واحدة عليها
أربعة هدية.. خذوا كل البالونات.. خذوا أي البالونات...
في حين تتهيب
كل الأبواب وتُغلق في وجهه، رأى العجوز يسقط منهكًا في مركز دائرة الفيلات، ثم رأى
الهول يحلّق فوقه.
فرك المسافر
عينيه ظانًا أن المشكلة بهما، لو أن الأمر بهذه البساطة!
تسمّر في
موضعه. تفحّص في ذلك الشيء المهول فإذا به رجل مهيب في رداء أسود ينزل من فوق رأس
العجوز إلى الأرض أمامه، ثم يقول:
- تنقضي
مهلتك انقضاء، ولم تجد لروحك افتداء.
كان له صوت
يرج الأكوان ويرتج داخل ذاته، ثم يبقى في خيالك لا تدري كيف تصفه. بسط الرجل
الأسود المهيب يده باتجاه العجوز الذي يحاول التملص:
- لا!!
أرجوك، امنحني فرصة أخرى.. أرجوك، لا... لااا!!!
تمكن الأسود
من رأس العجوز، وتابع كألّم يسمعه:
- لتذوبي
يا روحه النقية، ببئر العذابات الأبدية.
أراد المسافر
أن يركض كفأر مذعور، ولكنه كان يقف بلا ساقين، يحتمي بلا شيء، لم تكن تنقصه أبدًا
صرخات العجوز المدوّية في هذا الفضاء، والمعبرة بدقة شديدة عن هذه الـ ’العذابات
الأبدية‘! أمّا آخر ما كان ينقصه فعلاً، أن تتجه نظرات الرجل الأسود إليه، ثم
تلتمع بالشر إذ يقول:
- أماّ
أنت!
ذابت
لا-ساقاه، سقط، وغالبًا بلل سرواله:
- فلم
يحن موعدك يا أنت، فما تلقيت غير أربعٍ فقط.
أخرج أوراقًا
من لا-مكان وقرأ:
- بطاقة
وإطار سيارة، قلم ومياه فوّارة.
لونها السواد
مجموعها أربعة، خامسها العذاب لا سادس لها.
نمهلك الأيام
لا أكثر من ثلاث، قوانيننا السوداء ليس عنها مناص
فاقبل خمسًا
آخرين في رضا، لن نسألك عن أربع ما انقضى
فإن أتممت
الخمس العطايا، نحصد روحك كما حصد المنايا
وإن تلكأت عن
الخامسة، لا تنفعنا روحك الناقصة
نذيبها
كالأرواح الشقية، ببئر العذابات الأبدية
صرخ فورًا:
- لا!!
بئر العذابات الأبدية لا!!!
ثم أدارها في
رأسه، فاستدرك:
- ولا
تحصدوا روحي كذلك.
قال الرجل
كعادته في البناء على كلامه السابق:
- ومن
قبل الغياب والترحال، أذنت لك أن تسألني سؤال.
فكّر المسافر،
صرخ:
- أرجوك،
ساعدني، وأكون لك شاكرًا مدى الحياة، كأن العجوز أراد أن ينقذ نفسه بمنحي تلك
الأشياء، فكيف يمكنني أن أنقذ نفسي مثله؟
- عطاياك
أنت بها حقيق، أكثر من أي عابر بالطريق
وإن أردت
منحتها لغيرك، فيكون من فيض كرمك
انتقي بين
النفوس نفس، تهبها من العطايا خمس
سوداء بـ ’ماء
الوهب‘ ممسوسة، ودماءك قِطَرًا عليها مدسوسة.
وليس أن
تمنحها فتنجو أنت، لكن ليستخدمها وهذا شرط.
تصبح لنا روحه
خالصة، بنهاية الليلة الثالثة.
ثم قذف إليه
بقنينة، وقال:
- ومن
يسأل عن ’ماء الوهب‘، تحق له قبل الطلب.
ثم دوّن في
أوراقه:
- الاثنين
منتصف الليلة، ـ بتوقيتكم ـ تنتهي المهلة.
ثم عاد فاختفى
من حيث أتى. صرخ الرجل في هيستيريا:
- انتظر..
لا تتركني هكذا.. لا تغادر قبل أن تمنحني ما سينجيني.. أنت قلت أضع عليها ماء
الوهب ودمائي، وأعطيتني ماء الوهب فقط، فمن أين أحصل على دمائي، من أين أحصل على
دمائي!!!؟
ثم راح في
إغماءة.
♪
لأني الأكرم؛
أمنحك خمس عطايا مقابل روحك.
ولو كنتَ الأكرم،
فلتمنحني خمس أرواح مقابل عطيتي!
♫
أعداد السلسلة متوفرة إن شاء الله ضمن إصدارات المؤسسة العربية الحديثة في معرض الكتاب يناير 2013
صفحة السلسلة على الفيس بوك
أنا شفت كذا سلسلة ع النت باسم (الحب والرعب) وكلهم باسم سالى
ردحذفمين فيهم السلسلة الصح
السلسلة دي صدرت الاول الكترونية بعد كدا مطبوعة وعشان كدا لقيت اكتر من نسخة بس حاليا هي مطبوعة من اصدارات المؤسسة العربية الحديثة والمهم في الحالتين انها تعجبك هستنى رأيك
حذفبداية موفقة بإذن الله
ردحذفاول مرة ابدأ فيها بقراءة كتاب من حصيلة المعرض ليس لدكتور احمد خالد
الرواية ذات فكرة جديدة وإن أخذت عليها بعض الملاحظات اهمها الشعور بفقدان مجرى الاحداث قرب نهايتها
تم إضافة إسمك لقائمة الكتاب الذين أبحث عن إصداراتهم كل عام في المعرض
بالتوفيق
على انا مش عارفة ردي وصلك على الايميل او لا لو موصلش انا بعتذرلك جدا على التأخير وانا سعيدة جدا بالكلام دا وشرف ليا تتابعني بعد دكتور أحمد خالد واتمنى اكون قد الثقة دي وان شاء الله الروايات الجديدة تعجبك اكتر وقولي رأيك بقى في كاهنة التيتانيك
حذفواو تحفه ياسولى جديدة ومختلفه
ردحذفأناعايزه قصصك الجديده تجيلى على صفحتى على الفيس أعمل أيه لوسمحتى ياسولى قوليلى
انتي رنا يا جميلة؟
حذفعموما ابعتيلي اد على حسابي على الفيس وانا ان شاء الله انزل الجديد
https://www.facebook.com/sallyadel4
وياريت تشتركي في صفحة السلسلة وانا هنزل عليها الجديد ان شاء الله
https://www.facebook.com/LoveAndHorror
أنا مبسوطهأوى ياسولى أنك عرفينى وإنشاء الله هعمل إلى قولتيلى عليه
ردحذفالرواية رائعة جدا و لا تقل عن روايات د.أحمد
ردحذفخالد توفيق
واو دا كلام كبير متشكرة قوي بس دكتور احمد برا اي حسابات اكيد ومفيش حد زيه
حذفنفسى اشوف العدد الثالث
ردحذفآسففففففففففف...لكن أسلوبك لا يريحني بالمرة
ردحذفأزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفسالى بجد أنت أنسانة رائعة
ردحذفويارب تكونى من كبار الكتاب أنا بقيت أدور على كل كتبك وقصصك
وانا من متبعينك على صفحتك على الفيس علشان أعرف كل جديد ليكى
بجد ربنا يوفقك
تقبلى مرورى
جميل يا سالي ربنا يوفقك انا اول مره اقراء من كتاباتك
ردحذفبس محيراني النهاية
ردحذفبس محيراني النهاية
ردحذفممكن العدد التانى والتالت الكترونى .... بليييييييييز
ردحذف