"هيا.. لا تكن طفلاً!
هل تصدّق أن التيتانيك غرقت بسبب الجبل
الجليدي!؟"
(3)
العجوز التي... والكاهنة التي لم.
أتبع زقزقات
العصافير فأصل إلى المطعم، لم أخبرك أنها عصافير بطني، أنظر في ساعتي وأتمنى أنها
ساعة غداء.
أطل من الباب
فأجد الرفاق جالسين ويلعقون شواربهم في استمتاع، يبدو أنني تأخرت قليلاً. أبحث عن
الفتى النبيل، وأتخذ مقعدي خلف ظهره، ظهرًا لظهر ولكني أرجو أن أحصل على تركيزك
لحظة.
ألتقط نفسًا
عميقًا وأغمض عيني وأتحدث في خاطري.. يا أنت، أرجوك، التقط رسالتي ولا تغلق خاطرك
عني، أعرف أنك التقيتني منذ ساعات فقط لكن صدّقني لا تحتاج لأكثر منهم لتعرف أنك
وجدت حب حياتك. يا هذا، أنت كاتب رعب ويجب
أن تكون جريء القلب، تعالَ عرّفني بنفسك ثم اطلبني للرقص، هيّا. أفتح عينيّ، أشعر
أعصابي تحترق، أغمضهما من جديد: هيّا، تخلى عن تحفظك، تحلى بالشجاعة، لن أخذلك،
هيّا، هيّا..
نقرات على
كتفي: أفتح عيني بلهفة، أرتفع ببصري لأعلى، يبتسم النادل في وداعة:
- ماذا
تطلبين؟
أهب واقفة،
أخبط المائدة بقبضتي:
- شكرًا،
لست جائعة.
أغادر بينما
ينظر لي الرفاق نظرة: ها قد عادت غريبة الأطوار!
~
أتخذ مقعدي في الكافيتيريا، أحني
رأسي جدًا على الورقة، من يراني ليقول: منتبهة، دعهم في ظنونهم. بين الحين والحين
أرفع رأسي فألقي نظرة على التليفزيون: (جاك) المسكين وحبه المعذّب، لكن من قال أنه
ليس (جاك دوريدو) في (كينج كونج) أو (جاك شيبارد) في (لوست) أو شيء ما... لنركز
على الكتابة أفضل.
أنقر بالقلم نقرات رأسية على
الأوراق، يستلفت انتباهي النداء:
-
(ليلى)، لماذا لم تأكلي شيئًا؟
أرفع رأسي للحظة، أعود لانكبابي
على الأوراق، إنها الفتاة الخليعة:
-
أكتب أفضل بمعدة خاوية.
-
دعي الكتابة اليوم واستمتعي معنا بالسفينة، هناك مزاد
لمقتنيات (التيتانيك) ، لِمَ لا تحضري معنا؟
-
لا شكرًا، لا أريد المزيد من (التيتانيك)
تبسط يديها في استسلام وتغادر، دائما
ما يملونني بعد قليل لأجد نفسي وحدي. أرمق الصفحة البيضاء ذات النقاط السوداء في
اهتمام، أطلق زفيرًا، ثم أطوي الأوراق وأتبعها إلى القاعة.
في المنتصف تقف سيدة عجوز تمسك
بقلادة بدت لي مألوفة بشدة، وجوارها يقف رجل المزادات صائحًا:
-
(قلب المحيط).. من يريد أن يمتلك (قلب المحيط)؟
في حين يسرق توهج القلادة بصر
الجميع، تسرق عيني لمعةً أكبر، أتوغل في النظر في عيني العجوز كما لو أبحر بقلب
المحيط، وأشعر أنني بعد قليل قد أصل لشاطيء ما، تصدمني نظرتها المفاجئة إلى عينيّ،
تنكسر نظرتي وتتلاحق أجفاني، أحوّل بصري إلى الرجل الذي يعلن انتهاء المزاد لصالح
(سناء).
يمكنني الآن أن أحوّل لقب (سناء)
بضمير مستريح من ’المدللة‘ إلى ’ابنة الأثرياء المدللة‘. تميل العجوز على (سناء)
قائلة شطر جملة:
-
لولا الحاجة!
ثم تتصلب عضلات وجهها في غل.
أتركهم خلف ظهري وأتسلل خارجة. أفكّر أن أتسكع على سطح السفينة بحثًا عن إلهام ما،
أنحرف نحو الكافيتيريا ثم أتسمر مكاني: ألم أترك تلك العجوز خلفي؟
أطرد الفكرة من رأسي: من قال أنها
لا تملك ساقين مثلي! أضمم أوراقي وأخطو في إرتباكٍ نحوها... ترى، ما نوع الإلهام
الذي تحمله هذه المرأة؟ أدير قدماي وأدور حولها: من هي؟ من أين جاءت؟ أتمم الدائرة
فأبدأها من جديد، وكيف حصلت على (قلب المحيط)؟ علا صوتها:
-
أيتها الشابة الصغيرة، هل تريدين الجلوس؟
جذبت مقعدًا على الفور:
-
أ... الحقيقة أنني.... كيف حصلتِ على (قلب المحيط)؟
-
ورثته عن أمي.
-
هل... هل هو حقيقي؟ أعني.. (قلب المحيط) الذي امتلكته
(روز)؟
-
بالتأكيد. ها أنت تعرفين أمي.
اتخذتُ فاصلاً من الصمت، ثم استطعت
أن أقول بعدها:
-
هل تدّعين أن (روز) والدتك؟
-
أجل، وأنا (روزيت)، وأنتِ؟
لا أسمع سؤالها:
-
وهل هي حقيقية؟
-
أخبرتك أنها حقيقة وأصلية تمامًا
-
لا أقصد القلادة، بل... بل (روز)
-
أمي، نعم بالتأكيد.
-
كالتي شاهدناها على الشاشة؟
- لو تقصدين
أن (روز) هي الممثلة التي أدت دورها فبالتأكيد لا، ولكنهم اقتبسوا بعضًا من حياتها
ومزجوا الكثير من الخيال، هل تعرفين لماذا؟
-
لماذا؟
-
لأنهم ما كانوا يجرؤون أبدًا على قول الحقيقة.
أذهب بنظري إلى شاشة التليفزيون
والتي تذيع (التيتانيك) ككل مرة، ولكنني هذه المرة أراه بنظرة أعمق: نظرة مشاهدة
الواقع لا الخيال، هذا يكسب الأمور المزيد من ’......‘ بحسب الموقف. هنا يكسبها
المزيد من الإبهار:
"(روز) تنظر إلى
مرآة يدها، ثم تضعها لتنظر عبر مرآة أكبر، يظهر (كال) إلى طرف المرآة:
-
كنت أعتزم الاحتفاظ بهذه ليوم خطبتنا
الأسبوع المقبل.
يفتح العلبة بين يديه
عن قلادة ذات ماسة زرقاء متلألئة تنال إعجاب (روز) تمامًا:
-
إنها مذهلة.
-
قد تذكّرك بمشاعري تجاهك.
-
هل هي...؟
-
ماس، نعم.
يلتفت ليضعها حول
عنقها:
-
ست وخمسون قيراطًا بالضبط، كانت كبيرة قبل
صقلها، وأطلقوا عليها اسمًا..
تتلمس (روز) القلادة
على عنقها"
تتلمس العجوز قلادة وهمية على
عنقها، وتهمس مع أبطال الفيلم:
-
(قلب المحيط)
ألتفت إليها فجأة:
-
عفوًا، هل تشاهدين الفيلم مثلي؟
-
أجل.
-
لا، أنتِ لا تفهمينني، أنا لا أقصد الذي يذاع الآن،
وإنما أقصد (التيتانيك).
-
(التيتانيك)
هو الذي يذاع الآن.
ابتلعت ريقي: كم غريب أن يصير
الأمر الطبيعي هو الغريب، أن أشاهد نفس الفيلم الذي يشاهده الآخرون على نفس
التليفزيون. أليس بديهيًا؟ أليس بديهيًا أيها الفتى النبيل الذي يستلفت نظري؟
تتبع العجوز نظراتي.. ثم تبادرني
بابتسامة خبيثة:
- هِا هِاي!
انظروا إلى الفتاة الشابة التي لا تدير نظرها عن فتى حلو، هل يعجبك؟ فقط خذي
النصيحة من سيدة عجوز خبرت الدنيا: لا تثقي أبدًا بمعرفة القطارات أو... البواخر.
دفعتني الحاجة للبوح إلى
الاستفاضة:
-
لا أعرف لماذا انجذبت له، إنه لم يبادلني كلمة منذ
بداية الرحلة، إنه حتى لا ينتبه لوجودي.
- من يدري..
لربما يحمل لكِ ثقل جسده حبًّا، لكنه من النوع الذي لا يبوح. نوعًا ما يذكّرني بـ
(جورج)، كان أيضًا ذلك الطراز الواثق غير المبالي، ولكن هذا قبل أن يقع بحبي... هو
أمريكي وأنا بريطانية وأعيش بـ (مصر)، والتقينا على متن باخرة كهذه، وانتهى بنا
الحال متزوجين في (مصر). كانت لنا حياة سعيدة وأقسمنا ألن يفرقنا حتى الموت. ولذلك
حينما توفيّ حملته في تابوت وها أنا أسعى لنقله إلى (أمريكا) ليدفن في مسقط رأسه
كما أوصى، ولكي نظل معًا سأسعى أن نحصل على مدفن رائع يسعنا سويًّا، وأقضي ما بقي
لي من الأوقات برفقته. أعرفتِ لِمَ اضطررتُ لبيع (قلب المحيط)؟
-
أنتِ زوجة وفيّة حقًا، سيدتي.
-
وأنتِ ستكونين زوجة رائعة، ولكن يجب لفت نظر الزوج
أولاً، أليس كذلك؟
تفتح العجوز حقيبة يدها، تُخرج بضع
أدوات زينة، أحاول الإلتفاف لمتابعتها إذ تقوم ببطء لتقف خلف ظهري وتقول:
-
في بعض الأحيان، يكون حجب الزينة عن موضع ما، من صالح
موضع آخر.
تمرر أصابعها بين خصلات شعري:
-
ألم تري مثلاً سيدة متأنقة في ثوب غالٍ مكشوف الصدر،
ولا تتكلف وضع عقدًا أو قلادة على صدرها، تظنين لماذا؟
-
لِمَ؟
-
لأنها لا تريد لزينة القلادة أن تخطف الأنظار عن جمال
جيْدها.
تتابع:
-
وفي المرة التي قررت فيها أمي ارتداء القلادة، كان
عليها أن تخلع ما سواها...
تلملم أطراف شعري وترفعه إلى أعلى:
-
بعضًا من الكشف، وبعضًا من المنع.
تتناول من أمامي دبوس شعر أخضر
اللون على هيئة فراشة، أتساءل:
-
هل... هل هذا الدبوس الخاص بـ (روز)؟
تضع الدبوس برأسي مُحكِمًا على
شعري لأعلى، تتناول المرآة من فوق المائدة وتضعها أمام وجهي:
-
وهذه أيضًا مرآتها.
أنظر إلى صفو وجهي بالمرآة لا
تشوبه خصلة شعر، تتخذ مقعدها مبتسمة:
-
أنتِ الآن تفهمينني.
أوميء لها، أنظر نظرة أخيرة إلى
المرآة قبل أن أضعها وأهم بأن أزيح الدبوس شاكرةً لها، لكنها تمنعني بإشارة من
يدها:
-
بل اتركيه حتى يؤدي عمله، اعتبريه والمرآة هديتي إلى
العاشقة الصغيرة.
وتغمز لي بعينها. أتمنى في نفسي لو
أن الأمور بهذه البساطة، أطلق زفيرًا بينما أرسل نظري إلى المياه السوداء من
حولنا:
-
النهار قد فرّ، ومن بعده الليل، وبعدي لم أحصل على
قصة.
-
غريب! ألم تحصلي على قصتك بعد؟ ظننتك فعلتِ.
-
ومن أين؟
تشير بإصبعها إلى الشاشة دون أن
تنطق. أنتقل بنظري إلى حيث أشارت وقد ساورني خاطر:
-
هل تعتقدين أن بث (التيتانيك) بينما نحن على متن
سفينة يعد نوعًا من الفأل السيء؟
تبسط يديها بلا مبالاة:
-
وماذا قد يحدث؟
-
قد نحصل على نفس مصير (التيتانيك)، تعرفين: جبل جليدي
وكسور بالسفينة و....
قاطعتني بينما تحاول الاعتدال
واقفة، وقالت بلكنتها الركيكة ولغتها التي تشبه ترجمة الأفلام الأجنبية:
-
هيا، لا تكوني طفلة، هل تصدّقين أن (التيتانيك) غرقت
بسبب الجبل الجليدي؟
-
ماذا؟ وهل هناك سبب آخر؟
-
ألم تسمعي مثلاً... عن....
توقفَتْ لتنظر في عيني قليلاً:
-
الكاهنة الفرعونية التي أغرقت (التيتانيك)؟
كانت زاوية نظري لها لأعلى توحي
بالرهبة، أو ربما نبرة الصوت التي نطقت بها، أو ربما الجملة ذاتها.... نعم،
بالتأكيد أن للجملة دورًا. الآن، تمنحني الابتسامة النهائية، ابتسامة الرضا عن
إنجاز المهمة، ثم تلتفت مغادرة. في لحظة أقتنص كفها بكل ما أملك من قوة:
-
لا، أرجوكٍ، احكِ لي كل ما تعرفين.
-
قد حان موعد نومي.
-
ساعديني، أنا في أشد الحاجة لمعرفة القصة.
-
غدًا يا صغيرتي.
-
لا، أرجوكِ، اليوم، الآن.
تحاول تحرير يدها بينما أشدد من
تمسكي بها وأقول ببطء:
-
قد لا يمهلونا للغد.
تشتت انتباهي خشخشة من خلف ظهري،
ألتفت للحظة، تسحب العجوز يدها دفعة واحدة وتسرع الخطا، في حين تلوّح بظهر كفها
وتمد الصوت:
-
إلى الغـــــــــد!
أقول في يأس:
-
إلى الغد العظيم!
أعود لأستبين مصدر الصوت: إنه
(إلهامي) يستمتع بجني الكادرات الشيقة. أقبض على المرآة، ثم أجز على أسناني بينما
أعبر جواره:
-
ألا توجد مواقف أكثر إحراجًا لتصوّرني بها!
أعداد السلسلة متوفرة إن شاء الله ضمن إصدارات المؤسسة العربية الحديثة في معرض الكتاب يناير 2013
صفحة السلسلة على الفيس بوك
انتي قصصك رائعة .... انا انتظر المذيد والمذيد
ردحذفشكرا يا احمد اتمنى الجديد يعجبك
حذفرواية جميلة جدا انا متنبلك بمستقبل باهر فى مجال الكتابة اسلوبك جميل كلاامك منمق روحك مرحة جدا بجد اسلوبك جميل وجديد هو قريب شوية من احمد خالد بس انتى بجد عاملة بشكل جديد يجذب اتمنى اشوفلك قصص اكتر من كدة واتمنى تعتبرينى احد الاصدقاء هيكون لية كل الشرف انتى اكون صديق كاتبة موهوبة انا بجد نفسى اعرف الرشوة اللى انتى دفعتيها لقوانين الوراثة علشان تنعم عليكى بالموهبة دى مع تمنياتى بمستقبل باهر
ردحذفايه بس الكلام الجامد دا انا مش اقدر على كدا
حذفربنا يخليك ويارب دايما شغلي يعجبك وعايزاك تقرا الرواية كلها وتقولي بقى هيفضل رأيك كدا وللا هتغير رأيك
واكيييد احنا اصحاب بس لازم أعرف اسمك ايه
شكرا جزيلا ونورتني
انا اقول تسلم اليد اللي كتبت والعقل اللي فكر
حذفان شاء الله الرواية مبيعاتها تكون كويسة و مشجعة
ردحذفمع الاخذ فى الاعتبار ان دى بداية لم يبدأ بها الكثيرون
و انا قطعا اتنبأ بوجود مستقبل رائع للكاتبة اللى هتكون ان شاء الله شخصية عامة
بس ساعتها متبقاش تنسانا و تقول هاجى يوم كذا عشان التوقيع...........و يبقى كلموا مدير اعمالى ...........
احمد رمضان
حذف:)) ربنا يسمع منك يا احمد والرواية تكون مبيعاتها كويسة وتعجب الناس ودي أهم حاجة ومتخافش مش هقول كلموا مدير اعمالي بس انت مش تنسانا وخلينا نشوفك دايما
حذفروااااااايه روووعه بس عايز اكملها و مش عارف بتتباع فين
ردحذفمتشكرة قوي الرواية موجودة من إصدارات المؤسسة العربية الحديثة - متوفرة في المكتبات وفرش الجرائد ومراكز التوزيع الرئيسية:
حذف10 ش كامل صدقي - الفجالة
4 ش الإسحاقي من الخليفة المأمون - روكسي
4 ش بدوي محرم بك - الإسكندرية
وهستنى رأيك
الروايه جميله جدا بيعجبني إسلوبك أكثر من رائع أنا مدمن قصص و بجد إسلوبك شدني إني أتابع أعمالك أتمني المزيد من القصص الرائعه وأتمنالك التوفيق والنجاح
ردحذفالروايه جميله جدا بيعجبني إسلوبك أكثر من رائع أنا مدمن قصص و بجد إسلوبك شدني إني أتابع أعمالك أتمني المزيد من القصص الرائعه وأتمنالك التوفيق والنجاح
ردحذفسالى القصة بجد عجبتنى بس فين البقية عوزة الباقى اشوفة فيبن
ردحذفالقصه تحفه بس فين باقتها
حذفمرعب ههههههههههههههههههههههههههههههههههه
ردحذفقصص واقعية
ردحذفقصص حب
قصص رعب
قصص حب حزينة
قصص عالمية
قصص مضحكة