"هل تلعب معنا الشايب؟
قبل أن تجيب فكّر أنه
سيكون عليك تنفيذ الأحكام!"
شايب بالأحكام
لماذا في أوقات المرح في رحلتنا الجامعية لا نلعب الشايب
بالأحكام؟
لماذا لا نحكم على (عبد العال) قصير القامة بأن يردد:
"أنا مش قصيّر قزعة، أنا طويل وأهبل"، وعلى (رفاعي) النحيف بأن يردد:
"أنا قد الفيل، وأوزن برميل"، أما (قاسم) الوسيم فسنزّفه بـ: " اللـ
اللـ الـ يا ميمون.. وكمان الـ للـ أكون ممنون"!
ثم لماذا في الصباح لا نندهش حين نجد (عبد العال) وقد صار أطول،
و (رفاعي) وقد صار أسمن، أما (قاسم) فسنوجد الاختلافات بينه وبين القرد!
فصل من الرواية
فصل من الرواية
يبدو أننا وصلنا. عرفت هذا من مقطع "سالمة يا سلامة رحنا
وجينا بالسلامة" الذي يرددونه بلا توقف، دون أن يسألوا أنفسهم: ما الذي يأتي
بعده، ودون أن يدركوا حتى أنه غير مناسب للوصول، وإنما للعودة.
همم.. خاطرة كهذه تعطيني مؤشرًا عن حالتي النفسية، لا يمكن أن
أبدأ الرحلة بتصيد الأخطاء للرفاق المسالمين الذين لم يقترفوا جرمًا غير أن
احتفلوا بوصولهم بالغناء.
سيكون علينا أن نوزّع أنفسنا ثنائيات على الغرف، ولا أنوي
التودد لإحداهن كي تشاركني الغرفة، ولذلك لا أملك غير الانتظار لأرى من ستكون
زميلة غرفتي. وكان قرارًا خاطئًا حيث وجدت (فادية) تخبرني:
- لم يبق غيرنا للغرفة الأخيرة.
- هذا يسعدني يا حبيبتي.
- وأنا سعيدة موت.
وابتسمَتْ لي فابتسمتُ لها. جاءني (ضاحي) مندهشًا:
- ما بكِ يا (ليلى)؟ لكِ دقائق وهذه الابتسامة ملصقة بوجهك.
- حقًا؟ سأذهب أرى غرفتي.
غمز بعينه فيما يبتسم:
- تقصدين: ’غرفتكما‘.
نعم يا (ضاحي)، غرفـ ’تنا‘ وليست غرفـ ’تي‘، هناك ’ناها‘ وليس
’نيها‘ وفق التعبير الشهير، فلماذا أشعر أنك سعيد من أجل هذا!؟
جلستُ النهار أفرغ محتويات حقيبتي، إن قضاء خمسة أيام مع هذه
الفتاة لهو مقياس لقوّة تحملي، لكن ما حيلتي، لم أستطع أن أتركهما ينعمان بالرحلة
وأظل في البيت أحترق بفكرة: أنني أحترق في البيت وهما ينعمان بالرحلة!
بقيتُ في غرفتي طوال الوقت، وعندما عادوا من الشاطيء في المساء
جلسنا في بهو الفندق نشاهد التليفزيون، ونتسلى بفعل لا شيء.
أخرجَت (فادية) كوتشينة وتساءلت:
- أتلعبون؟
صاح الشباب صيحة رجل واحد:
- نعم.
والتفّوا حولها، قالت:
- الشايب!
سنلعب شايب بالأحكام،
أحكام لذيذة موت.
موافقون؟
مفهوم، مفهوم، بالتأكيد ’موافَقَة‘. جلستُ إلى جانب الفتيات
نمارس قضم الأظافر وجز الأسنان وندّعي أننا نشاهد التليفزيون، وبين الحين والحين
ترن ضحكة (فادية)، وتعقبها بحكم على المسكين الذي بقي الشايب في جعبته.
بالتأكيد، (فانتوم)، لم يكن يحق لها في كل مرة أن تصدر الحكم، لأنها
لم تكن ’الكينج‘ في كل مرة، لكن أخبرك ببساطة أنه ما أن يصير أحدهم الكينج حتى
يتنازل عن حكمه لـ (فادية). والعفريتة لم تسمح لهم مرة بإصدار حكم عليها، إذ لم
يقع الشايب مرّة معها، أو بمعنى آخر: كانت تمرره بسهولة، يكفي أن تغمز لسعيد الحظ
الذي سيسحب ورقة منها، وترفع له قليلاً الشايب، حتى يأخذه راضيًا غير عابيء لو
يموت الآن بعدما ابتسمت له (فادية).
كانت ليلة سخيفة، وكلهم كانوا حمقى، ولا أستثني (سامي). كان
أحمق ورائعًا وكنت أرى تخبطه في حب (فادية) فأشفق عليه وأتمنى لو يمكنني مساعدته
حتى ولو لم يصر لي.
وبالرغم من سخافة الليلة إلاّ أننا ضحكنا كثيرًا على الأحكام
التي أصدرتها (فادية)، بالرغم من كل شيء لا تخلو الساحرة من روح الدعابة. كانت
أحكامها قاسية، ومبتذلة، وطريفة. وتأتي طرافتها من ملاءمتها للموقف؛ فمثلاً (عبد
العال) قصير القامة اضطر إلى أن يصعد فوق المائدة ويقول عشر مرّات: "أنا مش
قصيّر قزعة، أنا طويل وأهبل" ضاربًا بقبضته الهواء في حماس.
و(رفاعي) النحيف فقد طلبت منه أن يجلس محتلاً الأريكة كلها،
ويقول بذات الحماس: "أنا قد الفيل، وأوزن برميل!"
أمّا (قاسم) الأشقر وجد نفسه جالسًا إلى الأرض وقد أثنى ركبتيه،
وأمسك بطرف خيط ملفوف حول طبق في يد (فادية)، والتي وقفت تدق على الطبق كـ ’طبلة‘ في
حين يغني الجميع: "اللـ اللـ الـ يا ميمون.. وكمان الـ للـ أكون ممنون"
ثم بدءوا في مخاطبته: "مش إنت القرد!؟" في حين ينفي هو: "لا هو
القرد.".. وقد ذكرني هذا بـ (اسماعيل ياسين) و (شكوكو)، وقد ضحكت قبل أن أدرك
كم أن هذا سخيف!
وفي الصباح التالي وبينما نفطر بدا لي (عبد العال) أطول قليلاً،
و(قاسم) أقبح قليلاً، أما (رفاعي) فكان يوصل الطعام بالطعام وبعد أن فرغنا من
الإفطار، تأكد بنفسه من نظافة الموائد!
* * *
الرواية متوفرة بجناح المؤسسة العربية الحديثة بمعرض الكتاب 2015
رقم سريع 19350
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
ردحذفياريتني عبد العال :")
ردحذف